قال: وتأمل حديث البطاقة الذي توضع في كفه، ويقابلها تسعة وتسعون سجلاً، كل سجل منها مد البصر".
كل سجل منها مد البصر! فيه ذنوب، وموبقات، ومعاصٍ، وغفلة، وإعراض، وغيبة، ونميمة، وقطيعة، وشتيمة.. كله ذنوب؛ فتوضع هذه السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فتثقل هذه البطاقة، ولا يثقل مع اسم الله تعالى شيء، تثقل البطاقة لأن فيها اسم الله، وتطيش السجلات وكأن شيئاً لم يكن.
يقول: (ومعلوم أن كل موحد له مثل هذه البطاقة، وكثير منهم يدخل النار بذنوبه، ولكن السر الذي ثقَّل بطاقة ذلك الرجل، وطاشت لأجله السجلات: لما لم يحصل لغيره من أرباب البطاقات، انفردت بطاقته بالثقل والرزانة).
أي: لا يقول الواحد منا: هذا حديث عظيم، كلمة لا إله إلا لله ثقلت وطاشت بالسجلات، إذاً: نفعل ما نشاء لأن عندنا لا إله إلا الله، فنقول: القضية ليست قضية بطاقة فقط، هناك حقائق وأعمال للقلب، فمن الذي يستطيع أن يدعي أنه مع هذه السجلات لديه من أعمال القلب واليقين ما يجعل البطاقة ترجح؟
ولهذا فإن هذه الحالات لشذوذها وخروجها عن القاعدة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كانت جارية على القاعدة لما ذكرها؛ لأن الجاري على القاعدة لا يحتاج أن يفرد بالذكر، وذلك كأن يقال: إن رجلاً رجحت حسناته على سيئاته فأدخل الجنة، لن يأتي حديث مثل هذا؛ لأن هذا معروف وقاعدة معلومة عند الناس، أما هذا الرجل فقد ذكر لغرابة حاله.
إذاً: لا يأخذ من هذا الحديث أحد قدوة إلا في أمر واحد، وهو تحقيق التوحيد؛ لأن تحقيق معنى لا إله إلا الله هو الذي جعل البطاقة تطيش بالسجلات.
ثم قال: (وإذا أردت زيادة الإيضاح لهذا المعنى؛ فانظر إلى ذكر من قلبه مملوء بمحبتك، وذكر من هو معرض عنك غافل ساهٍ، مشغول بغيرك، قد انجذبت دواعي قبله إلى محبة غيرك، وإيثاره عليك، هل يكون ذكرهما واحداً؟)
سبحان الله! الله تعالى يقول في الحديث القدسي: {وإذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم}.
وأنت -ولله المثل الأعلى-ليس حال الذي يذكرك وتذكره مثل غيره، فالحالان مختلفان بسبب ما قام في القلب.